الأحد، 24 أغسطس 2008

صديقتي


يدخل حجرته في تخاذل و أتول شديدين صورة حزن وقنوط مرتسمة علي وجهه القمحي النحيف و سرعان ما يخلد للنوم.
صديقته الأربعينية ذات الأعين الضيقة والشعر الإبريزي الثقيل والوجه النسريني اللامع ذو الوجنتين الريانيتين معه في رحلة ما في مكان ما لم يكن واضح المعالم, كعادتها تبدو عالمة ببواطن الأمور.يشاهد أصدقاء الدراسة القدامى الذين لم يراهم لنصف عقد,همسات وضحكات,خوف و قلق يبدوان على وجهه,صديقته الأربعينية تبدو بعيدة على الرغم من استدارة يسراها حول رأسه المقطقط ,يحين وقت الهبوط من المبنى المرتفع غير مكتمل البناء,متاهات,طرق كثيرة ومتشعبة,يرى أحد أصدقائه القدامى بجواره وعندما كان على شفا بدء الحديث معه,يستدير ليرى فتاة محجبة مكفهرة الوجه ترقبه بازدراء ثم ترحل ,على بعد مسافة مترين من المبنى الذي كان فيه الأصدقاء,يحاول العودة مرة أخرى لكنه لا يجد إلا متاهات طرق كثيرة متعرجة ومتشعبة جواله الخاص يسقط عندما يحاول استخراجه من جيب بنطلونه,
, وجوم ودهشة يرسمان على وجهه,
صديقته تعتذر بالعمل تارة وبالأطفال تارة أخرى,يبدو أنه صمت كثيراً وقت كان عليه أن يشرع في ألحكي ,الآن الروح صامتة مكسورة لا حول لها ولا قوة,لها أن تنتظر مجيء من يكتنفها,
يبحث عن قلبها الذي لم يمسسه لون من ألوان الحقد والغل منذ ولد
يستيقظ يذهب ليحدثها في الجوال,يجدها خارج البلاد تنقطع العلاقات إلى الأبد ,تترك في قلبه صورة الملاك الطاهر الذي لا يصدق عنه إلا كل خير وجمال لتبقى صديقته أسطورة.

الخميس، 7 أغسطس 2008

الذكرى السنوية


كانت تنتابني مشاعر غيظ وازدراء ممزوجة بشفقة كبيرة,وقت كنت أرى هذه السيدة التي لم أعرفها حق معرفة ,على الرغم من إنها كانت في بعض الأوقات أوفي الأوفياء لذكري زوجى الراحل منذ عدة سنوات تلك السنوات التى كبر فيها حزني عليه ولم يقل كعادة قلوب البشر المتحجرة الصلبة,و كم تمنيت أن انتمي إلى أصحاب تلك القلوب,عل ألمي يخف أو يزول لتصفو روحي إلي نوع آخر من الحياة,حياة بلا دموع أو ذكريات أليمة لا ترحم قلبي الواهن الضعيف.الفضول لم يكن يقتلنى عندما كنت أرى تلك السيدة الأربعينية ذي الوجه القمحي ذو الجمال الذابل والشعر الداكن الأشعث و الأعين العسلية الحزينة,ليس لأني انطوائية أو لأن الوقت غير مناسب للتعرف على أحد, بل لأنه لم يكن عندي أدني شك في زوجي,في نقاء روحه الطيبة البريئة,هذه الروح التي ذهبت للعالم الآخر مصحوبة بدعوات رحمة ودموع حب من كل من عرفوه من قريب أو بعيد.هذه ليست سذاجة امرأة قليلة التجارب,أو عديمة التجارب إذا أردت أن أكون دقيقة,إنما هذا هو انطباعي عن الشخص الذي اكتفي طيلة عشرتنا القصيرة بي كزوجة و لم يفكر قط في غيري وكان دائم الثناء علي خلقتى و خلائقي و إشعاري بأنى أجمل نساء الأرض,وبأني نصف روحه البرئ,من الممكن أن تكون كلماته خداعة لامرأة بسيطة ,أقل منه بكثير في التجربة والحياة ,لكنها بالنسبة لي أصدق كلمات.
حاولت في احدي المرات أن اذهب إلى هذه المجهولة التي لم يكن أحد يعرفها لا من أقاربي ولا من أقارب زوجي,كان هذا الغموض الحزين الذي يصاحب ذكري وفاة زوجي كل عام,هو مصدر من مصادر اللذة,لذة الرغبة في معرفة حكاية ما أو إجابة ما لسؤال الجميع عن هوية هذه السيدة.في إحدى المرات راودتني فكرة الذهاب لها للتعرف عليها علها تخبرني عن سبب مجيئها لذكرى زوجي,بالفعل ذهبت,لكنه كان أمراً صعباً للغاية,كانت في منتهي الحدة ولم أكن أعرف ما سبب هذا,وكأنها كانت تنتقم من إرهاصات قديمة وكأنى كنت الند لها في جميع معارك حياتها السابقة.لم تخبرني بشئ ولا بسبب حضورها إلى هنا ,وكأنه حق من حقوقها المكتسبة من زوجي,لكن كيف كان هذا ,لا أدري.حالة من الغضب الشديد المصحوبة بدموع غزيرة انتابتني ليست بسبب مشاجرة مع كائن متوحش غريب ,لكن بسبب رغبة مفاجئة فى الخروج ,إما الخروج من الحياة والالتقاء بزوجي مرة أخري في جنة الخلود إذا كتبت لنا, أو الخروج من دائرة الذكريات والحزن إلى دائرة الفرح والسعادة أياً كانت طريقة هذا الفرح أو نوعه,لكن هل سوف يحدث هذا وهل أنا قادرة علي هذا الخروج,لا أدرى.
كنت طيلة عمري أحب الأشياء بكل جوارحي وأبغض الأشياء بكل جوارحي,عديمة الوسطية ,إما الانخراط في الحب والوفاء والتصديق و إما الانخراط في الشك والتكذيب وعدم الإيمان بأي شئ,هذا ما جعلني ابتعد عن وجودية كامو وسار تر إيماناً مني بان اعتناق الخطأ لا أمل في النجاة منه بعد الموت , أما الجهل فهو متعة الاستغناء عن أى شئ.
كان من الممكن أن نترك هذه السيدة الغامضة لنا هكذا,لكن بالنسبة لحماتي لم يكن هذا محتملاً,لذا قامت حماتي بالذهاب إليها,لكي تعرف منها سبب انفعالها الشديد وأسلوبها الحاد معي ,دون سابق تعارف بيننا,كانت حماتي تفعل هذا حباً في أبنها المتوفى فقط لم يكن لإسعادي لكن كي تحفظ زوجة الغالي,لذا كان اللقاء عنيفاً,كعادة حماتى دوماً عندما تريد أي شئ ,حدة,وحشية,نظرة أحادية فى الحكم وعدم ترك أية فرصة للاستماع إلى مرافعة الطرف الآخر وكم كنت أهين علي نفسي حين كنت أتغاطي عن مضايقاتها وعنفها الواضح والغير مبرر من أجل متعة ليلية لا أزال علي ذكراها إلى الآن,خشية أن أفقد الليالي الخوالي جمالها و عذوبتها الرقيقة.رد الفعل لم يكن متوقعاً بالنسبة لي,السيدة التي عنفتني لمجرد أنني طلبت منها معرفة صلة قرابتها بنا,رأيتها بسيطة طيبة سمحة النفس حليمة,عندما كنت أتابع اللقاء من شرفة حجرتي المواجهة لرواق منزل العائلة الكبير,هكذا أجابت عن كل أسئلة حماتي الجبارة .
لم تكن الإستكانة الظاهرة علي وجه هذه السيدة في حديثها مع حماتي إلا نوعاً من أنواع الاحترام والحب للشخص الذي توفي والذي كان الكثير بالنسبة لها .شيطاني كان يسألني: من هو بالنسبة لك؟
ماض انتهى أم انه المستقبل التعس من الحزن والذكريات الأليمة,كم أنا غبية وشاذة إذا رضخت للاستسلام لهذا النير المسمى بالحب الوفي,لكن أيضاً سوف أكون في منتهى الوضاعة إذا فكرت في الاستغناء عن هذه الروحانية الجميلة.تلك الحرب التي كانت تقتلني لم أكن أعرف لها نهاية,ربما تكون مثل مباراة في الملاكمة ,من عدة جولات, أخسر في جولة وجولة أخرى تكون لي.
هي زميلة زوجي في العمل لمدة عامين,كانا زميلين صديقين,ثمة أشياء مفقودة في هذه العلاقة,السيدة التي لم تتزوج قط,أحبت من كان زوجي ,هذا حقها,فكل إنسان له الحق في أن يحب أو يكره,خاصة إذا كانت سيدة علي مشارف الأربعين مذ سنوات الزمالة الخوالي,ثم تجد فجأة رجلاً طيباً ليناً يحب الجنس الآخر بلا أية قيود,لم تكن صارخة الجمال , لكنها أيضاً لم تكن دميمة,ربما كان ملاكاً معها,ساحراً لها,ربما أحبته,أو بسوء فهم ,فهمت أنه يريدها زوجة,ربما كانت خطتها أن تستدرجه لأن يكون النصف الثاني لها,ربما أتي الموت ليكون المحرك القدري لفشل هذه الخطة العبقرية,غموض أسرار هذا الميت وعدم وجود دليل على أنه كان يحبها و الأمان لهذا الزوج,كل هذا جعلني أتسائل ,لماذا أنا سعيدة بهذا الوفاء؟هل أحب جثة خامدة بلا روح؟أشعر بأنني أفقد آدميتي عندما تحدثني نفسي عن رغباتها الغرائزية,تماماً مثلما أشعر بفقدان حياتي نتيجة لهذه العبودية,وكأن رأسي مشجوجة بفأس من العذاب.
مجئ هذه السيدة للذكري بعد ذلك لم يستمر كثيراً.بعد عامين من انقطاعها ساءلت نفسي ,لما كانت تأتي بكل هذا الحرص المتناهي علي الوفاء؟لماذا انقطعت فجأة؟هل قتلت روحانيتها البريئة ؟أم إنها وجدت ملاكاً آخر ؟أم شيطاناً آخر؟هل تزوجت؟هل استسلمت لرغبة غريزية لتشبع الليبيدو؟هل أفاقت من السراب لتعيش حياتها الطبيعية,كما كانت قبل أن تتعرف علي هذه الروح التي ذهبت إلى العالم الآخر,هل رفضت أن تعيش مغبونة طيلة عمرها؟هل كسرت حاجز الأخلاق والصواب.
أراها في أحلامي,أود أن أسألها:لماذا.......؟ثم لا أكمل بداعي الخجل,خجل طفلة بريئة أم شيطانة عفنة .أشعر الآن بأن الحرب التي دارت بين غريزتي و روحانيتي انتهت إلي الأبد,شكرتها في أحلامي لانقطاعها عن ذكري هذه الروح الطاهرة الخامدة إلي الأبد,انقطعت مثلها عن ذكري من كان زوجي ,لكنه لن يكون من الآن.